يوميات أسرة محافظة ... (منقول)

جلسة عائلية مسائية كالعادة .. يغيب عنها الاخ الاكبر كالعادة.. كل "ألدفايات" مفتوحة والكهرباء "خط ثوري" بدون دفع منذ سنوات .. الريموت في اليد الخطأ ، ويضغط على الزر الخطأ ، لتفتح القناة الخطأ على الأغنية الجميلة من حيث الصور ، والتي تحفظها العائلة كلها

لكن الشاب الصغير يسارع في تغييرها كي لا "يورّق" لها أحد ، لكن البيت كله "زابيطات" فهم عرفوا الاغنية والمغنية والفيديو حتى وان كانت المحطة الحالية هي الجزيرة من باب "ألمحافظة"

حديث ليلي محترم .. ماذا فعلت في المدرسة يا ابني ؟
الولد يجيب : قرينا ودرنا اختبار ومدرسة الكيمياء ماجتش مشي لعبنا كورة وبعدين روحنا وخلاص
الغزيل - هذا هو الاسم المستعار الذي تستعمله الأم - نسي أن يذكر انه تعارك وسب وشتم وضرب وكذب وسفه وهرب من الحصة الرابعة ونقل الواجب من زميله وكسر مقعده و"عاكس" الطالبات اثناء عودته .. كل هذا سقط سهوا .. فالمحافظون عادة ما يتميزون بالسهو

اخته من هناك لا تستطيع ان تقول لوالدها أن ابن جيرانها يزعجها كلما خرجت ، لأن المحافظين لا يخبرون آبائهم .. بل اصدقائهم الافتراضيين ، تنقضي السهرة بسرعة ويخلد الجميع تحت "بطانياتهم" التي يصدر منها ضوء ونور غريب ، هو أما ان يكون نور التقى والمحافظة أو نور الهواتف الذكية .. في المسألة قولان وشيطان

تبدأ حصة الفيس والتويتر والمواقع الثقافية ^* والرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية .. ويمارس الجميع - شبابا وفتيات- حياة زوجية افتراضية كاملة بواسطة الموجات اللاسلكية ، إنه امر لم يخطر على بال جراهام بل مخترع الهاتف نفسه ، لكن هذا ما يحدث يا جراهام .. نم في قبرك القبيح "مكشّر" الوجه ، واترك العاشقين يتحدثون في شؤونهم ومشاعرهم واجسادهم ، فيما يقوم تطبيق "سنن" بمهمته في "المحافظة" في نفس توقيت الممارسات الهاتفية

سرعان ما يتغلب النوم على المشاعر والغرائز ، لكنه لا يتغلب على تطبيق "سنن" و "وذكر" الذين يستمران في ملأ تايم لاينات المحافظين الآخرين .. ساعات من الأحلام البائسة ، يستيقظ جميع المحافظين في الساعة الثامنة بعد شروق الشمس مضيعين جميعا صلاة الصبح في وقتها ، لكن ذلك لا يهم طالما أنه مشترك في تطبيق "صلاتي" أيضا
يصبح الفرد من العائلة بعد فترة قصيرة عبارة عن شخصين اثنين .. شخص الكتروني وشخص حقيقي لا يجمعهما سوى شركة الاتصالات ..

البيت ينقصه واحد .. الوالد يعرف أن ابنه الاكبر لم يعد للبيت بعد وانه يتسكع "مزطولا" في بعض الشوارع غالبا .. لكنه رغم ذلك يقضي حياته كلها يوجه ابنته بالريموت .. خشي ما تخشيش ما تطلعيش ما تديريش .. وولده تحت الكوبري يسربي حشيش .. وعادي .. ربي يهديه وخلاص

يصبح الصباح .. ولاتشرق الشمس كون "البلكونة" مغلقة بـ"البلك" لزوم الخوف على المحافظات ، الطريق الى الجامعة محفوف بالكلمات النابية بالنسبة للفتاة ، فالمعاكسات الجافة لا تتوقف ، لكنها تستمع ببعضها على كل حال ، الى ان تصل للجامعة وتبايع عشيقها تحت الشجرة وتنزع عنها الجنسية الليبية المحافظة لتستبدلها بالتركية لبعض الوقت ، اما الشاب فطريقه محفوف بفرص الصيد البري ، وهو لا يقصر في وضع مصيدته امام كل مدرسة وجامعة ، دون ان ينسى المعارك القتالية مع "رديفات" الشارع ! فهي ايضا واجب مقدس

في المؤسسات التعليمية .. يمارس المحافظون هواياتهم المفضة ، التحرش ، السب ، الشتم ، اللعن ، القذف ، الضرب ، الاضطهاد ، السخرية ، العنصرية .. كل شيء تقريبا
يخرج الشباب للاستراحة بين المحاضرات ، شن جو الاسئلة يا ربيع كيف دار فيكم دكتور الـ## أهوا ؟
تي صعبة للـ## .. والله مافيها شن بتجاوب متشمت فينا تقول قاتلينله بوه الـ##
تي مـ### عارف دين ### النوعيات اهما ديما هكي
والله ما يبوا الا الـ#### ولاد الـ#####
خلي نمشو نهدرزوا عالبناويت بالله فكنا من نفخ الـ###

وهكذا .. الشباب المحافظون لا يستطيعون اكمال سطر واحد في حواراتهم دون التطرق للأمهات والاباء واعضاء جسم الانسان ونحوها !

الوالد حاليا قد وصل للعمل على تمام الـساعة 11 ، انه وقت مبكر أصلا ، وكان لتوه قد بدأ بتصوير مذكرات ابنته بآلة التصوير الخاصة بمكان وظيفته الحكومية ، وكان قبل ذلك اصلا قد مرر لنفسه اجراءات مخالفة ، وهو في الأصلا حصل على وظيفته بالواسطة ، وقبل كل شيء هو اصلا اشترى شهادته من معهد خاص دون أن يضع فيه قدما !
إنه أيضا يقضي كل فترة العمل في "القرمة" ، والاستهزاء بالناس ، رغم ان مصالح الناس متعطلة عنده وهو يؤخرهم بعبارته الشهيرة "تعالى غدوة" ، هو أيضا جاء بسيارة "الوظيفة" التي يستعملها في المزرعة والبيت ، قبل ان يستعملها ابنه في المعاكسات ، الى ان يستلمها ابنه الاخر ليستعملها في "التسطريب" ، وفي النهاية يملؤ بنزينها ويغير اطاراتها ويسمكرها وعندما تبلى يأتي بأخرى .. كل هذا على حساب الحكومة !
انه يفعل كل هذا دون أن يفقد فرصته في أن يكون محافظا هو الاخر .. يكفي فقط ان يمسك سبحة او أن يعلقها في السيارة ويتمتم كلمتين عن الشريعة

البنت تتصل بالابن الحشاش -الذي لا يسأله أحد عما يفعل- لكي يوصلها للمنزل ، إنه يعمل على تاكسي ، ورغم انه لا يعرف شكل المسجد منذ سنوات ولا يعرف حتى شكله احيانا من كثرة الزطلة ، إلا أنه لا يتخلى عن حصته في المحافظة فهو يملك سبحة مثل والده على المرآة ومعها مصحف خشبي افتراضي صغير ، وسجادة على "الفودرا" و "ستيكر" على الزجاج الخلفي مزين بالشهادتين بخط كوفي أنيق ، يملك كل هذا في سيارته .. لكنه لا يملك رخصة ولا يملك عقله حتى ، لا يدفع الضرائب ولا يعرف مكانها .. رغم كل هذا لا يكف عن توجيه نصائحه الغليظة لاخته مكشرا في وجهها معلما اياها كيف تلبس وكيف تمشي وكيف تتنفس !

الامتحانات تقترب ، والحجابات بالهبل ، والام تسرب الأسئلة من زميلاتها في المدرسة لصالح ابنها ، والابن يتفنن في التحضير للغش ، ينجح بامتياز وهو لا يعرف حتى قانون الجاذبية ، يذهب في العطلة الى بلدان مجاورة لاغراض معروفة ، ويترك تطبيقات المحافظة تقوم بالواجب ، ويعود الى ليبيا يفتخر بعاره بين زملائه ، ويكتمه عن اهله ، وينكره في حائطه الافتراضي !

يدخل الجميع الى الانترنت ، وينكرون ما تراه أعينهم ، انهم شيوخ يعظون في كل حائط ، وهم واهلهم شرفاء لا يمدون ايديهم الى الحرام ، رغم ان منظمة الشفافية العالمية تصر منذ عشر سنوات اننا من الشعوب الاكثر فسادا على ظهر الكوكب ، لكن شهادة "محافظ" واحد بشهادة أربع منظمات ، علينا ان ننكر ما نراه ونقول اننا محافظون غير فاسدون

اننا بالفعل محافظون على شكلنا الخارجي ، بطريقة مستميتة ، لكن هذا لن ينفي فسادنا ، انه فقط نوع اضافي من الفساد يدعى "النفاق الاجتماعي "

تقبل مروري